امراه تعلمت رياضة الجودو فكيف انت

تركت كي سون هي اجمل واعمق الانطباعات في نفوس ابناء الشعب الكوري خلال اكثر من عشر سنوات الماضية منذ ان ظهرت "كمذنب" لاول مرة في اوساط الجودو العالمي في 16 سنة من عمرها.

فكثيرا ما يتبادل ابناء الشعب الكوري الحديث عنها، تعبيرا عن مشاعرهم العزيزة والمفتخرة بها. وقد تسابقت وسائل النشر والاعلام في العالم لتقديم نجاحها الرائع في المباريات العالمية.

ولكن تعود بطلة العالم وحدها بذاكرتها بهدوء الي ما قضته من عشر سنوات ونيف الحافلة بالايام واللحظات المصادمة، الارقام القياسية المشرفة التي لم تنبس ببنت شفة عنها، خوفا من ان تضيع مكانة الفوز إن انتابها الرضا حتي لو لحظة.

لعل الوقت مبكر بالنسبة اليها. تكتم هذه اللاعبة فمها عن نفسها حتي الآن، الا بتقديم شكرها للوطن الام الذي رباها كبطلة العالم للجودو باربع مرات.

مستقبل تصورته التلميذة

قد رغب والداها، الاب الذي عمل في احدي المؤسسات للنشر، والام المعلمة في المدرسة الثانوية، رغبا في تربية ابنتهما الوحيدة سون هي كصاحبة الانوثة. ولكن سون هي رفضتهما لانها ارادت بعناد ان تكون رياضية.

كانت لها ميول خاصة الي الرياضيات فعلق والداها املا بها. لذلك السبب اغرياها بالاقوال الجميلة الخاصة باستقصاء العلوم، مهملين رغبة ابنتهما.

نمت احلامها في صدرها الصغير دون ان يعرف والداها حدها. علي وشك تخرجها من المدرسة الابتدائية صارحت الصبية بما تكنه من الهدف. كان هدفها جودو. اصعق قرارها هذا جدتها ووالديها وافراد اسرتها الآخرين وحتي المعلمين وزميلاتها. لم لا؟ كان والداها دفعاها الي عالم العلوم.

فشلت امها في اقناع ابنتها فاضطرت الي ان تذهب بها الي مدرسة الرياضة خارج الدروس (في ذلك الحين) في حي مانكيونغداي. حين رأي معلم توجيه الجودو ابنتها النحيلة والقصيرة القامة نصحها بانها مناسبة للالعاب البهلوانية او الجمباز الفني.

بعد ان شاهدت سون هي تدريبات رياضية لتلاميذها عبر النافذة في الخارج، عادت الي بيتها في وقت متأخر من الليل وقالت: "ساكون لاعبة للجودو حتما."

كان قرارها باتا وحازما. سألها والداها سبب ذلك بلهفة. ولكن فمها لم يفتح ابدا. بعد ايام ذهبت بوحدها الي تلك المدرسة حيث توسلت الي معلم توجيه الجودو ان يقبلها كعضوة لحلقة هواة الجودو. "استسلم" المعلم باك تشول امام تعنتها وصبرها بحيث انضمت الي حلقة هواة الجودو في هذه المدرسة.

منذ ذلك الحين بدأت حياتها مع الجودو.

في ايام تعلم الجودو فيها بعد دوام الدراسة اظهرت سون هي حماسة مذهلة. ادت واجبات التدريبات التمهيدية والاساسية بثلاثة اضعاف وخففت اتعابها بحل المسائل الحسابية علي الرغم من انها كانت في سن الانهماك في الالعاب. ونفذت خطة المطالعة الذاتية اليومية دون شرط مهما كانت التدريبات صعبة. نتيجة الجهود الدؤوبة نمت سون هي قوة وقلبا واستوعبت تقنية رياضية بما فيه الكفاية حتي لم تكن في مدرسة الرياضة خصمة تباريها.

في عام 1995، اشتركت لاول مرة في بطولة الجمهورية حيث تغلبت علي بطلة الجمهورية بوزن 108 كغ، مما اذهلت الناس لانها كانت في 15 سنة من عمرها ووزنها 48 كغ.

في ذلك اليوم، احست سون هي بالسرور الاول من بدء الجودو.

ولكن لم تعرب عن سرورها قط امام افراد اسرتها الذين يسألونها عن فوزها، بل واجابت لهم بعبارة بسيطة: "بين بين".

فيما بعد قرأت امها سجل يومياتها وجاء فيه ما يلي:

"... احسد اللاعبة باك يونغ سون بطلة العالم لكرة الطاولة بمرتين. حبذا لو اكون رياضية سعيدة يحسدها الشعب مثل باك يونغ سون التي قدمت سرورا كبيرا للمارشال الاعلي والقائد والتقطت صورا تذكارية معهما."

قسم لم تحنث به

لا ينسي الناس ملامح كي سون هي عميقة الانطباع التي ذرفت الدموع رافعة علم الجمهورية فوق رأسها علي منصة التتويج في دورة الالعاب الاولمبية الجارية في اطلانطا بعام 1996.

ولكن، لا يعرف كثير من الناس لماذا ذرفت هذه الفتاة في 16 سنة من عمرها دموع التأثر علي الرغم من انها صغيرة السن لا تفهم تماما قيمة الوطن.

قالت كي سون هي وهي تتذكر تلك الايام:

"في ذلك الحين، لم احصل علي أهلية الاشتراك في دورة الالعاب الاولمبية لانني لم اشارك في المباريات الدولية حتي لو مرة واحدة. حقق القائد كيم جونغ ايل رغبتي فلم اتمالك نفسي من سيل الدموع علي خدي وانا افكر في انني رددت علي ثقته حين تدوي اغنية < نشيد الوطن>.

بعد عودتها الي الوطن كتبت سون هي رسالة الي القائد كيم جونغ ايل اخبرته فيها انها تهدي له الميدالية الذهبية التي نالتها في مباراتها الدولية الاولي واقسمت علي ان تحصل علي 5 ميداليات ذهبية في المستقبل.

كانت تعرف جيدا ان هذه الميداليات الذهبية الخمس تحتاج الي جهودها المضنية وعرقها الكثير وانه كيف تلتزم بقسمها.

كلما واجهتها المصاعب وشعرت بالاتعاب الشديدة خلال عشر سنوات رددت في سرها ذلك القسم.

تنفيذا لقسمها بذلت كل ما لديها من الجهد والحماسة والارادة لاستعداد المباراة التالية. مرت فترة فتوتها في قاعة التدريبات حيث انمت قوتها وتناولت وجبات الطعام ونامت.

لكن، لم ينتظرها سرور الفوز وحده. حصلت علي مرتبة ثانية او ثالثة حينا مهما كانت جهودها كبيرة في التدريبات. حين تلقي القائد تقريرا خاصا بانها تحس بالتلوع الهمها قوة وثقة مشيرا الي انه يجب علي لاعب ذوق حلو السرور ومرارة الكدر والحزن. ثابرت سون هي علي التدريبات، مستلهمة ثقة منه وفي سياقها عرفت تماما ان شرف الوطن وهيبته، تكمن في جهودها وعرقها.

اذ لم تنس المسؤولية الملقاة علي عاتقها حتي ولو لحظة، استطاعت ان تكون بطلة العالم بالتوالي في بطولات العالم للجودو الجارية في اعوام 2001 و2003 و2005.

ولكن، تزوجت سون هي دون ذهبية اخيرة، فشعر الناس بالاسف قائلين انه يصعب عليها ان تخرج الي حلبة الجودو مرة اخري ورجت اوساط الرياضة منها ان تترك بنفسها الجودو، حفاظا علي شهرتها وكرامتها. ولكن اظهرت سون هي بافعالها الواقعية ان عهدها ليس بكلام فارغ. شددت مطلوبية عن تدريباتها. قالت سون هي وهي تتذكر الايام الصعبة حيث كانت منهوكة القوة بسبب شدة التدريبات, ان ما اصعب شيء بالنسبة اليها كان هو التغلب علي نفسها، وكان خصمها في تلك الايام هو نفسها بالذات.

رأي الناس كي سون هي تفوز مرة اخري في بطولة العالم للجودو التي جرت في ريودي جانيرو في برازيل ايلول العام الماضي. وتأثروا بملامحها وهي تلوح يدها المبسطة باصابعها الخمسة وتسيل علي خديها الدموع. لم يضن العالم كله بثنائه ومدحه علي كي سون هي، قائلا "انها ضربت العالم كله"، ">بطلة الجودو< في كوريا ما زالت قوية حتي بعد تزوجها". هكذا، نفذت عهدها. نالت خمس ذهبيات كما عزمت عليه وحافظت علي شرف الوطن الغالي.

وانتظر الصحفيون بدورهم فرصة سانحة لان يلتقطوا بعدساتهم صورتها الطافحة بالسرور كبطلة العالم للجودو باربع مرات.

ولكن، اخطأوا في التفكير. لانها لم تبتسم ابدا امام العدسات وتلفظت بكلمة متواضعة "اني راغبة في اهداء هذه الميداليات الذهبية الخمس الي القائد كيم جونغ ايل".

من اين تجيء الثقة؟

لا تنسي كي سون هي مدربيها، باك تشول وريو زو سونغ ولي داي زين، وهي تقول انهم مشكورون علموها التقنيات كي تكون بطلة العالم للجودو باربع مرات.

اما باك تشول فهو كان اول مدرب لها أيد رغبتها وعلمها اساس الجودو كمعلم توجيه الجودو في مدرسة الرياضة خارج الدروس بحي مانكيونغداي ووفر لها ضمانا تقنيا للفوز في دورة الالعاب الاولمبية في اطلانطا قبل عشر سنوات ونيف من الآن.

في تلك الايام وجدت هدفا واضحا لحياتها وبدأت تجري نحو نجاح غير موعود تحت توجيهه. علمها باك تشول حتي تعرف معني الوطن الحقيقي في المباريات الحادة واعتني بها بمشاعر والديها حتي تحافظ وتلتزم المبادئ الحياتية والاخلاقية. تقول سون هي انها لم تفقد المبادرة في المباريات علي الرغم من انها افتقرت الي خبرة للمباراة. وعاد فضله الي ثقتها بمدربها باك تشول.

ولا يمكن تصور ميدالياتها الثلاث الاخري بعيدا عن المدرب ريو زو سونغ.

انه غرس في ذهن سون هي التي كانت ضعيفة من الناحية التكتيكية في ذلك الحين، غرس فيه ثقة اكيدة بنسبة الفوز بالحرب الدماغية. قال المدرب لها علي الدوام انه يجب عليها تشغيل العقل في الجودو، مشيرا الي انه لا تكون بطلة الذهبية ابدا بمجرد القوة والقلب. فعكفت سون هي علي تدريباتها اعتمادا علي الطريقة التي علمها، بحيث فازت بثلاث مرات في بطولات العالم للجودو.

فهمت سون هي مدي مطلوبية المدرب القليل الكلام في حينها في كل المباريات وجسدتها فيها.

والمدرب الآخر هو لي داي جين المعلم في جامعة كوريا للرياضة. حين قال الناس انه من الصعب علي سون هي ان تشارك في المباريات مرة اخري لانها قد تزوجت، ايدها بصورة ايجابية وهو يقوم بتدريبها المكثف بتقنيته الفريدة فكانت مجهوداته رصيدا ثمينا لتكون بطلة العالم. لذا فلا تنساه كمدرب مشكور.

"ثمة في الدنيا كثير من الناس الذين يشتغلون بالرياضة من اجل كسب المال. ولكن، زرع مدربوني في قلبي روحا نبيلة للرياضة تتمثل في ان اثمن شيء بالنسبة للرياضيين هو، اولا وثانيا حتي الثالث، تمجيد شرف الوطن. فوضعت فيهم ثقة كبيرة دائما. لو ابتعد احد من هؤلاء المدربين الثلاث عني لما استطعت ان اتصور فوزي في الجودو."

قد تعودت سون هي علي ان تفتخر بمدربيها امام الصحفيين لعلها لا تفوت هذه الفرصة للتعبير عن تشكرها علي المدربين الذين قادوها الي الفوز في كل المباريات.

"انا امرأة ايضا"

كان ثمة كثير من المغرمين بها رغم ان المختصين بالجودو، المقربين بها لا يشعرون بذلك. رغب كثير من الفتيان في مقابلتها حتي لو مرة واحدة. ولكن، كان لديها شاب تتصوره قلبيا، الشاب الذي يساعدها حتي تحقق هدفها. مع ازدياد عدد الميداليات الذهبية ساورتها فكرة في ضرورة اختيار اختصاصي بالجودو كزوج لها من اجل تمجيد شرف الوطن بالذهبية دون تغير.

حققت رغبتها هذه. عرفت كيم تشول، المدرب في فريق ريميونغسو للرياضة الذي كان ينصحها عن نقاط ضعيفة بكلمات تحز فؤادها في التدريبات وقادها بصدق كيلا تتراخي همتها امام الصعوبات. تعمقت علاقة الحب بينهما في ميدان التدريبات الرياضية.

ارسل اليهما القائد كيم جونغ ايل مائدة وليمة الزفاف، تبريكا لتزوجهما. منذ ذلك الحين، ابتدأت حياتها العائلية السعيدة. قالت سون هي انها ستكون ربة بيت مخلصة بعد عودتها الي المنزل. ولكن لم تتخلص من عالم الجودو. يحتل الحديث عن الجودو 70 بالمئة مما يدور بينهما من الحديث في البيت. تهتم سون هي بما يحبه زوجها من الاطعمة، بينما تبذل جهدا كبيرا لرفع تقنيتها للجودو. ترغب في ان تصير زوجة مخلصة وعزيزة في آن مع الحصول علي الذهبية مرة اخري في دورة الالعاب الاولمبية التي ستجري في بكين. انها تدرس في الصف الثالث بجامعة كوريا للرياضة.

متي ستتخلي عن الملعب؟

تقول كي سون هي انها ستربي ولدها كلاعب الجودو.